رحلة المستقبل للتخصصات الإنسانية
من الواضح أن البشر متنوعون في ميولهم وقدراتهم، فبينما يميل البعض نحو التخصصات العلمية، يجد آخرون إلهامهم في الفنون والآداب. وبينما يشعر بعض الأفراد من الأولى بالأمان بشأن مستقبلهم المهني، يعبر آخرون من الثانية عن قلقهم إزاء ما إذا كانت مهاراتهم ستكون مطلوبة في عالم الغد.
ومع ذلك، فإن العلوم الإنسانية تشكل نقطة انطلاق حاسمة لمستقبل القادة والرواد والباحثين. تتميز هذه التخصصات بتزويد الطلاب بمهارات عامة ضرورية يحتاجها سوق العمل اليوم، والتي ستزداد أهميتها في المستقبل.
4 أسباب تضمن للتخصصات الإنسانية مكانها في المستقبل:
أوّلاً: صعوبة تحديد مصداقية المعلومات مستقبلاً
في عام 2018، تخطت وسائل التواصل الاجتماعي الصحف المطبوعة كمصدر رئيسي للأخبار في الولايات المتحدة الأمريكية، ومن المتوقع أن يزداد هذا الاتجاه في العالم بأسره. توسّع الشبكات الاجتماعية والمحتوى الإلكتروني بشكل متسارع، مما يجعل القدرة على تمييز الحقيقة من الزيف مهارة أساسية.
في هذا السياق، تولي مجالات العلوم الإنسانية اهتماماً خاصاً بتدريب طلابها على فهم وتقييم المعلومات، سواء كانت نصوصاً، أوثائق، أو صوراً، من مختلف الأزمنة والمناطق الجغرافية والمنظورات المتنوعة. هذا النهج يساعد على الحفاظ على مكانتها المهمة في العالم الرقمي المعاصر.
ثانيًا: العلوم الإنسانية شريك أساسي لمهارات الـ STEM
تعرف مهارات STEM بموادها الأربعة الرئيسية: العلوم، التكنولوجيا، الهندسة، والرياضيات، والمعروفة باختصار STEM. تمثل هذه المهارات العلمية أساساً لفهم وتحليل الحقائق العلمية، ولأن العلوم الإنسانية تركز على الثقافة والقيم، فهي قادرة على كشف الحقائق والدوافع والوقوف في وجه أقوى النظريات العلمية التي لا يمكن دحضها.
إحدى أبرز نقاط قوة العلوم الإنسانية هي قدرتها على سرد القصص، فالقصص هي التي تلهم التغيير وتجذب الاهتمام. لقد أثرت كتابات العلوم الإنسانية بشكل كبير على تحولات كبرى في العالم، مثل دور كتاب "الربيع الصامت" في إطلاق حركة حماية البيئة ونشر علم البيئة بأكمله، وهو مثال على تأثير التعاون بين العلوم التكنولوجية والإنسانية.
ثالثًا: التطوّر التكنولوجي والطبي بحاجة إلى العلوم الإنسانية لضمان مستقبل أخلاقي
تأثير العلوم الإنسانية لا يقتصر على مجال البيئة فقط، كما تم التوضيح في النقطة السابقة، بل يمتد ليشمل مختلف المجالات العلمية مثل الطب والتكنولوجيا. على سبيل المثال، تطرح رواية "فرانكشتاين" سؤالاً أساسياً: هل يجب علينا فعل شيء مجرد إمكانيتنا لذلك، دون النظر إلى القيم والأخلاق؟
تسهم العلوم الإنسانية بفروعها المختلفة في التقدم الحقيقي والتطور، اللذان ينبثقان من التفكير العميق في القيم الإنسانية. هذا النوع من الفهم لا يمكن للآلة أن تحققه، ويتجاهله العديد من العلماء المتخصصين في التكنولوجيا والطب.
رابعًا: تسهم العلوم الإنسانية في تحفيز الابتكارات الخلاّقة في مجالات الثقافة والترفيه
على الرغم من التطورات الهائلة في العالم اليوم والمستقبل، يظل تراثنا وثقافاتنا جزءاً لا يتجزأ من هويتنا، والترفيه لا يزال جزءاً لا يتجزأ من حياتنا. حتى مع تقدم التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، لا يمكن أن يصلوا إلى مرحلة الابتكار التي يمكن أن تحققها الإنسانية.
الابتكار ينشأ من اكتشاف الأبعاد الخفية في عالمنا، حيث نواجه التحديات ونحل المشاكل باستخدام خيالنا لايجاد الحلول الفعّالة. التخصصات الإنسانية تلعب دوراً مهماً في تدريب الطلاب على طرح الأسئلة بشكل جديد وإيجاد حلول مبتكرة، مما يدفع العلماء إلى الابتكارات التي تحدث تحولات كبيرة في حياة البشر.
رغم سيطرة التخصصات والمجالات العلمية في الحاضر والمستقبل، فإن للعلوم الإنسانية دورها المميز الذي لا يمكن نسيانه. لن يصل الروبوت إلى مرحلة الابتكار الحقيقي، ولن يتمكن من فهم النفس البشرية بنفس الطريقة التي يمكن للإنسان أن يفعلها.
تصفح أيضاً: افضل 10 تخصصات هندسية لمستقبل مالي مشرق